امرأة تحت المجهر -الكاتبة: أمنية كانوني/ المغرب

يستنشق بعمق دخان سيجارته متكئا على وحدته شاردا في تمايل جسمها النحيف بين الأغصان بفعل الرياح

امرأة تحت المجهر

WhatsApp-Image‏-2024-10-15-at-21.09.29-e1729012661469-150x150 امرأة تحت المجهر -الكاتبة: أمنية كانوني/ المغرب

 

 

الكاتبة: أمنية كانوني/ المغرب

يستنشق بعمق دخان سيجارته متكئا على وحدته شاردا في تمايل جسمها النحيف بين الأغصان بفعل الرياح، تصفعها بشدة تاركة نذوبا على وجهها العشريني الشاحب. انحنت ببطء تلتقط الغصينات المتناثرة بيديها الخشينتين تشدها بإحكام غير مبالية بالأشواك مصارعة الرياح والزمن.

فطريق عودتها طويل وحملها ثقيل والصقيع في الشتاء لا يرحم. لفت وقود دفئها وعيشها بحبل سميك فوضعته على ظهرها المنحني من الهموم والأعباء لتعود أدراجها.

لمحت في حين غفلة نساء القرية على قمة الجبل كأنما السماء ألقت بهن إلى مصير محتوم، منحنيات لأقصى ما يمكن للنساء أن تنحني … توقفت أمام صخرة لترفع عينيها بجهد إلى السماء مناجية ربها: يا بصير لقد طال المسير… متى الرحيل.

 وبين حلم جميل وواقع مرير سمعت خطوات تتعقبها فالتفتت بحذر يسارا تسرق النظر وما أن لمحتها إحداهن حتى صاحت:

إنها المشؤومة لا تخطين آثار قدمهاالملعونة

أجابتها الأخرى:

لنتوقف ونرجمها بالحجارة مستعيذين بالله من الشيطان الرجيم حتى لا يصيبنا مكروه هذا اليوم …

تجمدت في مكانها وكأن على رأسها الطير بل طيور أحلامها تتراقص حولها تخاطبها بود لتشد رحالها إلى حيث لا تدري.

مدت لها يدها لتحلق بعيدا…بعيدا عن حياة لا تنتمي اليها، أفاقت بعد نصف ساعة على لعاب كلب يداعبها فابتسمت ابتسامة حزينة ثم واصلت طريقها…

فتحت باب الكوخ على صراخ رجل ضخم البنية ذي لحية بيضاء وعينين جاحظتين، مسكها من أذنها اليسرى قائلا:” أمني تسخرين؟ أم من أطفالي تنتقمين؟ لم هذا التأخير؟ ثم ضغط بحذائه على أطراف ثيابها الرثة فسقطت لاطمة رأسها بالقطع الخشبية.

تعالت تصفيقات وضحكات أطفالها الأربعة لقد اعتادوا على مشاهدة المسرحيات الكوميدية بطلها أب يهوى الحركات البهلوانية و أم بارعة في التسلية.

انكمشت وتكورت كالجنين … واستسلمت للصوت والصدى.أشار اليها بإصبعه قائلا: “صفر”
و بدأ الأطفال يعدون وراءه: “واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة…”يرتبون الأرقام تصاعديا، الوحدات و العشرات...لايخطئون. فالعد العقلي أصبح راسخا في أذهانهم، انتهى العرض بركلة أخيرة لتنهض مهرولة إلى مطبخها.

أعدت الطعام وأعطته لزوجها من وراء الستار يحيط به أطفاله ينتظرون بقايا الفتات و يبلعون ريقهم بين اللقمة والأخرى.

توارت الأم عن الأنظار ثم جلست على الأرض تفتش في التراب عن الماضي الجميل أو ربما عن الآتي الأليم، اقتربت منها ابنتها الوحيدة أخدت تلعب وترسم على الطين أشياء جميلة وقالت: “أمي لقد رسمت خبزا”.
أمسكتها بحنان لتمعن النظر في وجهها الملائكي ثم أخرجت من جيبها ورقة و قلما و قالت لها:

“جنة الحياةأوراق وقلم و جحيم العذاب نار وحطب. تسلقي الجبال والحجر وتذكري وصيتي… فأنت بشر.”

و التفتت على الحائط البالي دافنة وجهها بين كفيها لتنام نوما عميقا لا نهاية له.

Exit mobile version